الرؤية الليلية: التكنولوجيا والعلم وراء رؤية العالم في الظلام

تعد الرؤية الليلية (Night Vision)،  هي إحدى التكنولوجيات العسكرية والأمنية الرائدة في العصر الحديث، إنها تمنح الإنسان القدرة على رؤية العالم في ظروف الظلام التام، وهذا يمكن أن يكون حاسمًا في العديد من المجالات مثل الأمن والدفاع، والرصد البيئي، والرياضة والترفيه. تعتمد هذه التكنولوجيا على مبادئ الفيزياء والإلكترونيات والبصريات، وقد شهدت تطورات كبيرة على مر الزمن. حالياً لم يعد هذا الاستخدام حكراً على الصناعات العسكرية وإنما تطور الأمر ليصبح جزئاً من أنظمة اخرى مثل المسح الشامل للمناطق باستخدام الدرونات من أجل الحصول على تفاصيل حول المناطق الزراعية والمياه الجوفية وكذلك تتبع تسرب الغازات من المنشئات البتروكيمائية .

أنواع الرؤية الليلية:

1. مكثفات الصورة (Image intensifiers) : وهي الأكثر شيوعًا، حيث تستخدم عدسة موضوعية لتجميع الضوء المتاح وتركيزه على كاثود ضوئي يحول الطاقة الضوئية إلى إلكترونات. ثم يتم تسريع هذه الإلكترونات بواسطة جهد عالٍ يتم تطبيقه على لوحة قناة متناهية الصغر مما يضاعف عدد الإلكترونات. أخيرًا، تصطدم الإلكترونات بشاشة فوسفور التي تحولها مرة أخرى إلى ضوء مرئي، مما ينتج عنه صورة واضحة ومكثفة.
2. أجهزة التصوير الحراري (Thermal imaging) : تعمل هذه الأجهزة على اكتشاف التوقيع الحراري للأشياء وإنشاء صورة بناءً على اختلاف درجة الحرارة بين الكائن والبيئة المحيطة. لا تتأثر أجهزة التصوير الحراري بمستوى الإضاءة المحيطة ويمكنها اكتشاف وعرض صور الأشياء المخفية خلف العوائق أو تحت التمويه
3. الإضاءة النشطة (Active Illumination) : تبعث أجهزة الإضاءة النشطة ضوءها الخاص لإضاءة المشهد. عادةً ما يستخدمون مصدر ضوء الأشعة تحت الحمراء، وهو غير مرئي للعين البشرية ولكن يمكن اكتشافه بواسطة أجهزة الرؤية الليلية. يتم بعد ذلك تضخيم ضوء الأشعة تحت الحمراء المنعكس عن الأجسام الموجودة في المشهد بواسطة أنبوب تكثيف الصورة وتركيزه على شاشة الفوسفور.

تاريخ الرؤية الليلية :

يعود تاريخ البحث والتطوير في هذا المجال إلى عقود عديدة. في أوائل القرن العشرين، بدأ العلماء في تطوير أجهزة تسمى مكبرات الضوضاء الضوئية (Image Intensifiers)، والتي تعتمد على زيادة سطوع الضوء المتساقط من مصادر خافتة. ولكن هذا النوع كان يحتاج إلى تكنولوجيا لم تكن متوفرة في بداية القرن الماضي، فكان الاعتماد على الضوء المرئي للعين، ثم تطور إلى استخدام الاشعة تحت الحمراء ومن ثم رؤيتها باستخدام عدسات مخصصة أو كميرات مخصصة ولكن كان هذا الامر محدوداً جداً حيث أن تقنيات تصنيع العدسات ومستعشرات الكميرات والشاشات كانت غير متطورة وتحتاج إلى الكثير من البحث والتطوير، ناهيك عن أن الرؤية الليلية بتقنية الإضاءة النشطة يوجد بها فارق زمني(Delay time) بين الواقع والصورة المنعكسة داخل جهاز الرؤية الليلية حيث أن الجهاز يعمل ككميرا تقوم بنقل الصورة على شاشة وهذا يجعلك تأخذ بعين الاعتبار كل عوامل التصوير والكميرات مثل دقة الصورة، الجودة، كثافة البيكسلات، عدد الاطارات كل ثانية وغيرها الكثير . مما أدى إلى قلة استخدام هذه التقنية في الانشطة الحساسة بسبب حدوث داء الدوار والدوخة Motion sickness  لدى الذين يقومو باستخدام هذه التقنية . وعليه تمت محاولات تطوير أنظمة اخرى مثل مكبرات الضوضاء الضوئية باستخدام تقنيات تصنيع اشباه الموصلات .

الرؤية الليلية حديثاً :

لكثرة المشاكل والعيوب في كلام النظامين السابقين فلقد توجهت أنظار العالم إلى الرؤية الليلية باستخدام التصوير الحراري، وهذه تقنية تعد من أعلى تقنيات التطور حيث يمكنها تتبع البصمة والأثر الحراري حتى للأجسام بعد لمسها بفترة قصيرة. تختلف حسب استخداماتها ولكن أكبر استخداماتها العلمية في إكتشاف مشاكل الحرارة في الاجهزة وتحديد نقاط التبريد و التسخين والانتقال الحراري، كذلك معالجة البيانات باستخدام خوارزميات تعتمد في مدخلاتها على بيانات من مستشعرات حرارية فتعطي امكانية بتحديد مصادر تسريب الحرارة، وتسرب الغازات .

اقرأ أيضا: الصمام الثنائي الباعث للضؤ (LED)

الاستخدامات المستقبلية:

من الممكن أن توسع التركيبات المستقبلية للرؤية الليلية تطبيقاتها بشكل أكبر. فمن المحتمل أن يشمل ذلك القيادة الذاتية للمركبات والطائرات بمساعدة الرؤية الليلية والأنظمة المتقدمة لمراقبة الجوانب البيئية والزراعة الذكية لزيادة إنتاجية الزراعة وتوفير الموارد.

تكنولوجيا الاستشعار الحيوي:

تُستخدم التكنولوجيا الحديثة في الرؤية الليلية لتطوير أجهزة استشعار حيوية تستخدم في الطب والبيولوجيا. تمكن هذه الأجهزة من رؤية تفاصيل دقيقة في الأنسجة والأعضاء الحية داخل الجسم، ومسح شامل لأعضاء الجسم ويمكن استخدامها في تشخيص الأمراض والعمليات الجراحية الحيوية.

التحسينات في إستهلاك الطاقة :

يجري العلماء أبحاثًا مستمرة لزيادة كفاءة تكنولوجيا الرؤية الليلية وتقليل استهلاك الطاقة. يهدفون إلى تطوير مواد أقل استهلاكًا للطاقة وتقنيات تحسين الأداء لزيادة عمر البطاريات وتقليل اعتماد الأجهزة على مصادر الطاقة. حيث أن بعض الأنواع المتطورة من اجهزة الرؤية الليلة لا يمكن حتى وضعها في أجهزة متنقلة بسبب شراهة هذه الأجهزة للطاقة بشكل كبير جداً .

تأثيرات التغيير المناخي وقياس جودة الهواء :

تُستخدم تكنولوجيا الرؤية الليلية في رصد التغيرات البيئية والأنشطة البشرية. يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في فهم تأثيرات التغير المناخي ومعرفة جودة الهواء في منطقة، وقياس الغازات المنبعثة، وحماية البيئة.

التحديات والمستقبل:

على الرغم من التقدم الكبير في تكنولوجيا الرؤية الليلية، إلا أنها تواجه تحديات مستقبلية. تشمل هذه التحديات تطوير تكنولوجيا أكثر تطورًا ودقة، وتقليل تكلفة الأجهزة، وزيادة مدى الرؤية. يمكن أن تؤدي التكنولوجيا المتعلقة بالرؤية الليلية إلى توفير حل للتحديات المستقبلية مثل الطاقة المتجددة والتنقل الذكي. لضمان تطوير هذه التكنولوجيا وزيادة فعاليتها، يجب استمرار الاستثمار في البحث والتطوير، وينبغي دعم الجهود البحثية لاكتشاف تقنيات جديدة وتحسين الأداء وخفض التكلفة.