Main Thumbnails

فكرة استخدام الحمض النووي كأداة لتخزين البيانات لم تكن وليدة اللحظة، فمنذ قديم العصور اعتمد البشر على الكتابة في حياتهم لتدوين افكارهم وتعزيز التواصل بينهم، بدأت فكرة الكتابة عن طريق رموز توضيحية بسيطة انتقلت الى حروف ابسط يمكنها تكوين جمل طويلة سهلة الفهم، وقد تغير هذا المفهوم عبر الحضارات حتى وصل إلى ما نحن عليه اليوم.

عندما ازداد عدد وأشكال الحروف قام البشر بنقلها إلى كتب و زيادة هذه الكتب ذات الاهمية الكبيرة في حضور العصر الرقمي وتطور الحوسبة وإكتشاف الترانزيستور الذي يعد حجر الأساس لتكوين المعالجات التي نراها في عصرنا الحالي أدى ذلك إلى تطور الكتابة بشكل رقمي يعرف بالبيانات.

أصبح تخزين البيانات ضرورة حتمية ومهمة خوفاً من فقدانها فتطورت سبل وطرق تخزين البيانات بدايةً من شريط الكاسيت المسموع في فترة السبعينات و الثمانينات، إلى إطلاق شركة سوني في فترة التسعينات الCD بشكل تجاري مما أدى لحدوث طفرة في سهولة نقل البينات بأحجام أكبر و تطورت تلك الأفكار حتى وصلت إلى طرق تخزين متطورة كالأقراص الصلبة HDD والSSD Nvme M2.

لكن هل كان هذا  كافياً ؟

زيادة البيانات أمر حتمي خصوصاً في عصر الرقمنة، حيث قدر عدد البيانات المخزنة في الخوادم ومساحات التخزين العالمية في عام 2023 بحوالي 2.5 كوينتيليون(quintillion) بايت كل ثانية، وهذا يا عزيزي القارئ رقم ضخم لك أن تتخيل أنه كل كوينتيليون يساوي 1 بجانبه 18 صفر ! حتى العقل البشري لا يمكنه تخيل هذا الرقم .

كل هذه البينات الهائلة أصبحت تحتاج إلى مكان جديد لتخزينها والحفاظ عليها فالبيانات في وقتنا الحالي هيا مناجم للذهب، اقترح بعض العلماء فكرة محاولة تخزين البيانات على الحمض النووي للكائنات الحية DNA في محاولة منهم لمحاكاة تخزين الجينات في الكائنات الحية.

اقرأ أيضا: مدخل إلى الحوسبة السحابية.

ماهو الحمض النووي وكيف يتم حفظ البيانات عليه ؟

هو الجزيء الحيوي الذي يحتوي على المعلومات الوراثية للكائنات الحية. يتألف الـ DNA من سلسلة متكررة من النوكليوتيدات والتي تشمل أربع قواعد نيتروجينية: الأدينين (A)، الثيمين (T)، السيتوزين (C)، والجوانين (G). هذا الترتيب الخاص للقواعد يحمل المعلومات الوراثية التي تحدد خصائص ووظائف الكائنات الحية.

في سياق تخزين البيانات باستخدام هذه التقنية، يتم ترميز البيانات الرقمية باستخدام هذه القواعد الأربعة. على سبيل المثال، يمكن تعيين الأدينين (A) للرقم 00، والثيمين (T) للرقم 01، والسيتوزين (C) للرقم 10، والجوانين (G) للرقم 11. هذا النظام الثنائي يمكن استخدامه لتمثيل البيانات الرقمية بشكل فعال.

الحمض النووي

الفائدة من تخزين البينات على الاحماض النووية
    1. كثافة تخزين ضخمة في حجم بسيط: حيث يمكن لغرام واحد من DNA نظريا تخزين 215 بيتابايت (215 مليون جيغابايت).
    2. ظروف التخزين: يمكن للـ DNA الصمود لعدة الالاف من السنوات محتفظاً بكامل بياناتهِ وهذا ما نراه عند الكشف عن حيوانات او كائنات كانت قد انقرضت من ملايين السنين فيمكن للعلماء إعادة قراءة كل هذه البيانات بشكل ممتاز.
    3. الكفاءة الطاقية: تخزين البيانات في الـ DNA يستهلك طاقة أقل بكثير مقارنة بمراكز البيانات الكبيرة.
عملية تخزين البيانات في الـ DNA
    1. ترميز البيانات: يتم تحويل البيانات الرقمية إلى تسلسل من القواعد النيتروجينية(A,G,T,C) بواسطة النظام الثنائي .
    2. تخزين البيانات في الـ DNA: بعد ترميز البيانات، يتم تصنيع جزيئات الـ DNA الصناعي بناءً على التسلسل المشفر. يتم حفظ هذه الجزيئات في أنابيب صغيرة أو قرص زجاجي خاص للحفاظ على استقرارها.
    3. قراءة البيانات: لاحقًا، يمكن استخدام تقنيات الجينوميات والسيكوند جيل سيكوينسنج (Next-Generation Sequencing) لاستخراج البيانات المخزنة في الـ DNA. تقنيات الترميز والفك تعتبر جزءًا مهمًا من هذه العملية لاستعادة البيانات الأصلية بدقة.
التحديات والإمكانيات
    1. تكلفة الإنتاج: تصنيع الـ DNA الصناعي وترميز البيانات فيه لا تزال عمليات مكلفة في الوقت الحالي.
    2. سرعة القراءة: قراءة البيانات من الحمض النووي الـ DNA تتطلب وقتًا أطول مقارنة بوسائل التخزين التقليدية.
    3. الخطأ البشري: قد يحدث خطأ في ترميز البيانات أو استخراجها، مما يتطلب تقنيات دقيقة وتحقق دائم.
اللاعبون في الساحة

منذ ظهور هذه التقنية في الاوراق البحثية وتضمينها بشكل عملي اتجهت شركات كبيرة لمحاولة الاستثمار في هذا القطاع من أجل مواكبة التطور والتكنولوجيا، ومن هذه الشركات : مايكروسوفت , IBM , Intel  و شركات ناشئة كثيرة مثل GenScript .

أخيراً وليس أخراً

تخزين البيانات في الحمض النووي هو مجال مبتكر ومثير يعرض العديد من الفرص والتحديات. على الرغم من أن هذه التقنية ليست بعد جاهزة للاعتماد الواسع، إلا أنها تمثل خطوة مثيرة نحو حل مشكلة تخزين البيانات بكفاءة واستدامة في المستقبل. التطورات المستقبلية في هذا المجال قد تجعل من هذه التقنية أكثر عملية ويسرا وأقل كلفة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *