الحوسبة الكمومية

الحوسبة الكمومية(Quantum computing)، هي نوع جديد من الحوسبة التي تستخدم مبادئ ميكانيكا الكم لحل المشكلات المعقدة التي لا يمكن حلها بسرعة كافية أو لا يمكن حلها إطلاقا باستخدام الحواسيب التقليدية. الحواسيب الكمومية قادرة على حل أنواع معينة من المشكلات من خلال الاستفادة من تأثيرات ميكانيكا الكم مثل التراكب (Superposition)، والتداخل الكمومي(Quantum Interference)، وتشمل التطبيقات التي يمكن أن تستفيد من هذه السرعة التعلم الآلي(Machine Learning)، والتحسين(Optimization)، ومحاكاة الأنظمة الفيزيائية. وقد تشمل الاستخدامات المستقبلية تحسين المحافظ المالية في مجال التمويل أو محاكاة الأنظمة الكيميائية، وحل المشكلات التي تعتبر حالياً مستحيلة حتى على أقوى الحواسيب الفائقة المتاحة.

لماذا نحتاج الحوسبة الكمومية؟

عندما نواجه المشاكل المعقدة، يلجأ العلماء والمهندسون إلى الحواسيب الفائقة (Super Computers). هذه الحواسيب هي حواسيب تقليدية كبيرة، غالباً ما تحتوي على آلاف من وحدات المعالجة المركزية (CPU) ووحدات معالجة الرسومات (GPU) القادرة على إجراء حسابات كبيرة وتشغيل أدوات ذكاء اصطناعي متطور. ومع ذلك، حتى الحواسيب الفائقة تعتمد على الكود الثنائي (Binary Code). وهي تواجه صعوبة في حل أنواع معينة من المشاكل.

تتميز المشاكل المعقدة بالعديد من المتغيرات التي تتفاعل مع بعضها البعض بطرق معقدة. على سبيل المثال، يُعد نمذجة سلوك الذرات مشكلة معقدة للغاية بسبب الطبيعة التفاعلية لمكونات هذه الذرات مع بعضها البعض. كما أن اكتشاف أنماط الاحتيال الدقيقة في كميات كبيرة من المعاملات المالية مهمة ليس من السهل اكتشافها.

في عالم اليوم رغم كل التقدم الذي أحرزناه في عالم الحوسبة والخوارزميات والذكاء الاصطناعي، هناك بعض المشاكل المعقدة التي لا نعرف كيفية حلها باستخدام التقنيات التقليدية بأي مقياس.

اقرأ أيضا: مدخل إلى الحوسبة السحابية

كيف تعمل الحوسبة الكمومية؟

تستخدم الحوسبة الكمومية نسقا مختلفا عن الحوسبة التقليدية، فهي تستخدم البتات الكمومية (qubits) لتشغيل خوارزميات كمومية متعددة الأبعاد. تختلف البتات الكمومية عن البتات التقليدية (bits) التي يمكن أن تكون إما (0) أو (1) ، في أنها يمكن أن تكون في حالات أخرى كثيرة تنتج عن التراكب بين (0) و (1). هذا يسمح للحوسبة الكمومية بتنفيذ حسابات متعددة في وقت واحد، مما يجعلها أسرع بكثير من الحواسيب التقليدية.

ترتكز الحوسبة الكمومية على مجموعة من المبادئ التي تتطلب قاموساً جديداً من المصطلحات ليتم فهمها بالكامل، ومن بين أهم هذه المصطلحات التراكب (Superposition)، والتشابك (Entanglement)، وفقدان التماسك (Decoherence).:

  • التراكب (Superposition): ينص على أنه، مثل الأمواج في الفيزياء الكلاسيكية، يمكن إضافة حالتين أو أكثر من حالات الكم لتكون النتيجة حالة كم جديدة. هذا التراكب للكيوبتات يمنح الحواسيب الكمومية قدرتها على المعالجة المتوازية، مما يسمح لها بإجراء ملايين العمليات في وقت واحد.
  • التشابك (Entanglement): يحدث عندما يرتبط نظامان بشكل وثيق بحيث أن المعرفة عن أحدهما تعطيك معرفة فورية عن الآخر، بغض النظر عن المسافة بينهما. يمكن للمعالجات الكمومية استخلاص استنتاجات حول جسيم واحد من خلال قياس جسيم آخر.
  • فقدان التماسك (Decoherence): هو فقدان الحالة الكمومية في الكيوبت. يمكن للعوامل البيئية، مثل الإشعاع، أن تتسبب في انهيار الحالة الكمومية للكيوبتات. يمثل تصميم ميزات مختلفة لمحاولة تأخير فقدان التماسك تحديًا هندسيًا كبيرًا في بناء حاسوب كمومي.

الفرق بين الحوسبة التقليدية والحوسبة الكمومية:

رغم الاختلاف بين نموذجي الحوسبة التقليدية والحوسبة الكمومية، إلا أن لكل منها مزيا وعيوب يجب أن نعرفها لنعرف كيفية استخدامها والاستفادة منها على الوجه الأمثل.

مزايا الحوسبة التقليدية:
  • تستخدم على نطاق واسع في عدة تطبيقات.
  • قليلة التكلفة ولا تحتاج لأجهزة معقدة.
  • مناسبة للمشكلات التي لا تتضمن عدد كبير من المتغيرات.
  • حتمية، نفس المدخلات تؤدي إلى نفس المخرجات.
مزايا الحوسبة الكمومية:
  • معالجة متوازية ضخمة توفر سرعة هائلة.
  • مناسبة للمشاكل كثيرة التعقيد والمتغيرات.
  • غير حتمية، وبالتالي تمكننا من اكتشاف عدة حلول محتملة لنفس المشكلة.
عيوب الحوسبة التقليدية:
  •   معالجة متوازية محدودة.
  • غير مناسبة للمشاكل كثيرة المتغيرات والتعقيد.
  • مقيدة بالفيزياء التقليدية مما يجعل بعض المشاكل مستحيلة الحل.
عيوب الحوسبة الكمومية:
  • تتطلب أجهزة متخصصة كالمبردات للحفاظ على البتات الكمومية، وإلكترونيات معقدة للتحكم فيها.
  • باهظة التكاليف.
  • قابلية تطبيق محدودة لأنها تتعامل مع أنواع محددة من المشكلات.
  • الهشاشة الناتجة عن الحساسية للمؤثرات الخارجية التي قد تسبب أخطاءً في الحسابات.

 

الحوسبة الكمومية

مجالات يمكن أن تستفيد من الحوسبة الكمومية:

حتى الآن، تُعتبر الحوسبة الكمومية تقنية حديثة عالية الكفاءة، ورغم عدم وجود تطبيقات عملية لها حتى الآن، إلا أن من المتوقع أن توثر في كثير من المجالات أهمها:

  • التشفير:  يمكن للحواسيب الكمومية من الناحية النظرية، اختراق طرق التشفير الحالية  بكل درجاتها، مما يستلزم في المقابل تطوير تشفير مقاوم للكم.
  • اكتشاف الأدوية: من خلال محاكاة الهياكل الجزيئية بدقة، يمكن للحوسبة الكمومية أن تحدث ثورة في صناعة الأدوية، مما يؤدي إلى اكتشاف أدوية وعلاجات جديدة.
  • النمذجة: يمكن للقدرات الحسابية المحسنة تحسين عمليات النمذجة كالتنبؤات المناخية من خلال محاكاة الأنظمة البيئية المعقدة بدقة، أو نمذجة العمليات المالية وتحليل المخاطر وكشف عمليات الاحتيال المعقدة.
  • الذكاء الاصطناعي: يمكن لقوة الحوسبة الكمومية تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، مما يجعل الآلات أذكى وأكثر كفاءة.

إلى الآن الحوسبة الكمومية هي تقنية ناشئة دارت حولها الكثير من الأبحاث النظرية الواعدة، وتبنت أبحاثها الكثير من الشركات الكبرى حول العالم، ولكن ظل إنتاج حاسوب كمومي يُعتمد عليه حلما، إلا أن الأبحاث التي قادتها جوجل في العام الماضي أدت إلى إحراز تقدم هائل في تصحيح الأخطاء، كما عززت نتائج الأبحث التي توصلت إليها جامعة هارفارد ومجموعة QR في نهاية عام 2023، بالإضافة إلى ورقة بحثية أصدرتها شركة مايكروسوفت وشركة كوانتم هذا العام.

كل هذه المؤشرات ترجح حدوث طفرة في الحوسبة الكمومية على المدى القريب، نأمل أن تستفيد البشرية من نتائجها على الوجه الأمثل.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *