في السنوات القليلة الماضية، أصبحت تقنية البلوكتشين (Blockchain) واحدة من أكثر التقنيات انتشارا، حيث تعد حلاً مبتكرا لكثير من المشاكل التي تعاني منها الأنظمة المركزية التقليدية.
تقدم هذه التقنية أحدث مستويات قواعد البيانات المتقدمة التي تتيح المشاركة الشفافة للمعلومات داخل شبكة الأعمال، وتتمثل الفكرة الجوهرية لهذه التقنية تخزين البيانات في كتل مترابطة بشكل تسلسلي وثابت، ما يضمن تماسك البيانات زمنيا، وعدم القدرة على حذفها أو تعديلها دون موافقة الشبكة.
وتتميز هذه التقنية بقدرتها على إنشاء بيئات آمنة وموثوقة لتبادل البيانات والمعاملات من خلال بناء ما يشبه دفتر الحسابات الموزع (Distributed Ledger)، غير القابل للتغيير، والذي يمكن استخدامه لتتبع الطلبات والمدفوعات والحسابات والمعاملات الأخرى. ويحتوي النظام على آليات مدمجة لمنع إدخالات المعاملات غير المصرح بها وتحقيق التناسق في طريقة العرض المشتركة لهذه المعاملات.
ما هي تقنية البلوكتشين ومتى ظهرت ؟
يمكن تصور البلوكتشين أو سلسلة الكتل، على أنه دفتر رقمي غير مركزي للمعملات، يتم حفظه في شبكة من الحواسيب الموزعة حول العالم، والمعنى الحرفي له هو (سلسلة الكتل)، حيث تحتوي كل كتلة على مجموعة من المعاملات، ويتم ربط كل كتلة في هذه السلسلة بالكتلة السابقة لها وبطريقة مشفرة، مما يخلق سجلا مترابطا لا يمكن تغيير المعاملات المسجلة فيه أو التحكم فيها من قبل أي جهة منفردة، مما يجعله أكثر أمناً وشفافية من الأنظمة المركزية التقليدية.
ظهرت البلوكتشين أول مرة عام 2008، وقد تم تطويرها من قبل شخص أو منظمة عرفت باسم مستعار هو (ساتوشي ناكاموتو)، لتكون أساسا تقنيا لبناء العملة الرقمية الأول (البتكوين)، ثم تم توسيع استخداماتها لاحقا لتشمل مجموعة متنوعة من المجالات التجارية بعيدا عن العملات الرقمية.
المبادئ الأساسية لتقنية البلوكتشين:
لفهم البلوكتشين بشكل جيد لا بد من الاطلاع على المبادئ الأساسية التي قامت عليها هذه التقنية وجعلت منها أداة مناسبة لكثير من التطبيقات. توجد خمسة مبادئ أساسية لتقنية البلوكتشين هي:
- قاعدة البيانات الموزعة:
بخلاف الأنظمة المركزية تتوزع قاعدة بيانات البلوكتشين على شبكة موزعة من الحواسيب، مما يوفر وصولا متساويا لجميع المشتركين في الشبكة إلى المعاملات، ودون سيطرة تفضيلية لأحد على الآخرين، مما يلغي الحاجة إلى الوسطاء ويجعل الكل يراقب الكل.
- الاتصال بين الأجهزة بالتساوي:
تلغي تقنية البلوكتشين الحاجة إلى سلطة مركزية تنظم الاتصال بين الأطراف، حيث تشارك كل عقدة بالتساوي في معالجة المعلومات والمعاملات، بحيث يضمن هذا النهج المفتوح واللامركزي للشبكة مستويات عالية من السرية والأمان في تبادل المعلومات ومراقبتها.
- الشفافية:
في تقنية البلوكتشين يحصل كل مشارك في الشبكة على مفتاح فريد خاص به، ويحق له الكشف عن هويته أو إخفائها، كما تسجل جميع المعاملات بالعنوان الخاص بالمستخدم بمجرد إطلاقها، مما يجعل كل المعاملات خاضعة للمساءلة، كل ذلك يجعل من معالجة المعلومات وتبادلها تتم بطريقة شفافة وفعالة.
- السجلات غير القابلة للتغيير:
توفر البلوكتشين بيئة غير قابلة للتلاعب والعبث، مما يوفر أقصى درجات الأمان لتخزين البينات، حيث يتم بدء إنشاء جميع المعاملات ومعالجتها وتخزينها في الشبكة بتنسيق غير قابل للتغيير ومقاوم للعكس، بالإضافة إلى ترتيب جميع المعاملات بشكل زمني، مع توفير الوصول إليها من جميع الأطراف المشاركة في المعاملة، كل ذلك يوفر أقصى درجات الحماية من مخاطر التلاعب بالبيانات أو سرقتها.
- المنطق الحسابي:
ترتكز تقنية البلوكتشين في تأدية مهامها على المنطق الحسابي الذي يسمى المنطق الرياضي للأزواج المرتبة (Mathematical Logic of Ordered Pairs)، والذي يستخدم لتمثيل العناصر والإجراءات التي يجريها المشتركون في الشبكة على هذه العناصر.
يتم استخدام المنطق الحسابي لإثبات صحة العلميات والمعاملات التي يتم تنفيذها، وذلك عن طريق استخدام العقود الذكية (Smart Contracts)، التي تعمل على تنفيذ الشروط المحددة مسبقا بشكل آلي ودقيق، وتوفر الثقة والشفافية في العمليات المالية والتجارية التي تتم عبر البلوكتشين.
لفهم البلوكتشين بشكل جيد لا بد من الاطلاع على المبادئ الأساسية التي قامت عليها هذه التقنية وجعلت منها أداة مناسبة لكثير من التطبيقات.لوكتشين.
مجالات استخدام تقنية البلوكتشين:
يمكن الاستفادة مما تقدمه تقنية البلوكتشين في طيف واسع من التطبيقات في مختلف المجالات، بما في ذلك:
العملات الرقمية والتجارة الإلكترونية: العملات الرقمية هي أول استخدام لتقنية البلوكتشين، حيث توفر بيئة موثوقة وآمنة للتبادل الإلكتروني للأموال والعملات الرقمية، مما سهل بشكل ملحوظ عمليات التجارة الإلكترونية وتبادل السلع والخدمات.
إدارة سلسلة التوريد: يمكن استخدام التقنية لتحسين إدارة سلسلة التوريد وتحسين شفافية عمليات الشحن والتوزيع حول العالم.
التحقق من الهوية: يمكن استخدام التقنية لتحسين أمن وسرية البيانات الشخصية والتحقق من هوية الأفراد بطريقة آمنة وشفافة.
أنظمة الاقتراع: يمكن استخدام التقنية لتحسين نظم الاقتراع وتحسين شفافية عمليات الاقتراع وتجنب الاحتيال.
آلية عمل البلوكتشين:
تقنية البلوكتشين تعتمد على آلية عمل معقدة تتضمن عدة مكونات وعمليات من أجل ضمان الأمان والشفافية والثقة في نقل وتخزين البيانات والمعاملات عبر الشبكة، سنحاول هنا تلخيص هذه الآلية في النقاط التالية:
- تحديد العملية المراد تنفيذها: يتم تحديد العملية أو المعاملة التي يرغب المستخدم في تنفيذها، مثل إرسال عملة رقمية إلى مستخدم آخر.
- التحقق من صحة المعاملة: يتم التحقق من صحة المعاملة وقدرة المستخدم على تنفيذها باستخدام تقنية العقود الذكية (Smart Contracts)، وذلك بالتحقق من الشروط المحددة مسبقًا.
- تجميع المعاملات في كتلة: بعد التأكد من صحة المعاملة، وقدرة المستخدم على إنجازها بما يتوافق مع صلاحياته وما تم التعاقد عليه من البداية، يتم تجميع عدة معاملات معًا في كتلة واحدة، ويتم تشفير هذه الكتلة باستخدام تقنية التشفير المعتمدة.
- التحقق والتأكد من صحة الكتلة: يتم التحقق من صحة الكتلة ومصادقتها باستخدام تقنية التعدين (Mining)، والتي تتضمن حسابات رياضية معقدة تقوم بها خوارزميات التعدين.
- إضافة الكتلة إلى السلسلة الرقمية: بعد التحقق من صحة الكتلة، يتم إضافتها إلى السلسلة الرقمية وربطها بالكتل السابقة، ويتم تحديث المعلومات في جميع الحواسيب المشاركة في الشبكة.
- التحقق والتأكد من صحة السلسلة الرقمية: يتم التحقق والتأكد من صحة السلاسل الرقمية ومصادقتها من قبل المشاركين في الشبكة، وذلك باستخدام تقنية التشفير والعمليات الرياضية المعقدة.
وبهذه الطريقة، يتم ضمان الأمان والشفافية والثقة في نقل وتخزين البيانات والمعاملات عبر الشبكة، وعمل التقنية بشكل مستمر ومتواصل دون الحاجة إلى وسيط مركزي، مما يجعلها تقنية مثالية لتبادل المعاملات والبيانات في بيئة رقمية موزعة.
متابعة المقالة: البلوكتشين: آفاق اللامركزية (2)
لا توجد تعليقات